القِط المهذَّب
نص أدبي
رمضان سلمي برقي
قِط أسود بعينين مُرعبتين؛ أصرّ أن نلتقط صورة معًا للذكرى! أي ذكرى يتحدّث عنها قط شارع متسوِّل؛ قط شارع لا يعرف سوى التشرُّد والوحدة والجوع! لا أدري. تحت وطأة الرعب، ووطأة العطف؛ لم أرفض، والتقطتُ الصورة. ربما لن أقابله ثانية: إذا هي ذكرى!
في المنطقة التي كنت أعمل بها؛ وفي البناية التي كانت على وشك التجهيز؛ كان يصر أيضًا أن يتناول حصة من إفطاري، ولم أكن أرفض، رحبت به، وكنت أضع لقمة الخبز بفمه، فيلتقطها بين نابيه الطويلين؛ كان مُهذّبًا غير تلك القطط التي تسكن في دفء الألحفة، وضوضاء الونَس.
ينقسم البشر في هذه الدنيا إلى صنفين؛ الأول يشبه (الكلاب) وليس القصد من وراء التشبيه إهانة، بل القصد هو أنهم مُهذّبون، لا يمدون أعينهم ولا أيديهم لشيء لا يخصّهم، إلا عندما يأذن لهم أصحابهم من البشر، ويعطونهم عن طيب خاطر، فيفرحون، ويحمدون، بعد انتظار مرير وصبر، ومراقبة مُضنية للموائد؛ لا يكترثون إن أُلقيت إليهم حتى العظام الخالية من الشحم.
أمّا الصنف الآخر فيشبه (القطط) وليس كصاحبنا المهذّب هذا؛ بل غيره ممن يتسلّلون من الكوّات ليلًا إلى المطابخ، ويقتنصون كل ما حالفهم الحظ ووقع بين أظفارهم وأنيابهم، أو ينقضّون على الموائد العامرة؛ يتخطّفون الخطفة ولا يتبعهم شهاب ثاقب، بل تتبعهم الأحذية التي لا يكترثون لصفعاتها، ويهربون بجريمتهم، ويتلذّذون بتمطُقها في ظلام بئر السلم، أو ظلام مسقط البناية. ولا يشبعون قَطْ؛ بل يخطِّطون للصيد التالي بكل شغف وأريحية!
القط الأسود ذو العينين المُرعبتين؛ حينما غادرتُ منطقة العمل بلارجعة؛ لم أودِّعه، فأنا دومًا أكره لحظات الوداع، وأدعها نهايات مفتوحة، ليغلقها القدر كما يحلو له؛ ولكن من حين لآخر؛ تراودني صورته رابضًا هناك في ظلام البناية التي ما إن تجهَّز حتى يطرد خارجها؛ ينعكس بعينيه الحزينتين بصيص أضواء الونس؛ متسلِّلة من بعيد؛ من بلاد لم تطأها سيقانه بعد، ومُصاحبة لموجات من دفء الألحفة! حينئذ؛ أغمض عينيّ وأتمنى لو لم يكن مُهذّبًا يومًا ما!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق